من عقلاء المجانين ..ميمون المجنون مع الحجاج
مععقلاء المجانين
ميمون المجنون مع الحجاج
قال المسيب بن شريك بلغني ان ميمون المجنون أُدخل على الحجاج ابن يوسف وكان ميمون بليغاً عابداً فقال يا حجاج ! لو كنت تؤمن بالله واليوم الآخر بكلية قلبك، لشغلك عن أكل الطيب، ولبس اللين، ولكنه استقذرك، فطردك، ولو أرادك لستعملك. إن لله عباداً مطهرين مطيعين، بالعبادة مشتغلين، وهم ثلاثة أصناف:
فقوماً عبدوه شوقاً إليه، فقلوبهم لا تشتغل بغيره، لأن قلوبهم قد ألفت، وسقاهم ربهم بكأس الوداد شربةً فقاموا شوقاً، فلا تحط رحالهم إلا في قرب الله. فهم خاصته في أرضه.
وقوماً عبدوه خوفاً من النار، لما سمعوا قوله تعالى: " قووا أنفسكم وأهليكم ناراً " فحذروا وبادروا واجتهدوا خوفاً من النار من تحتهم ومن فوقهم وعن أيمانهم، وعن شمائلهم. فالأفاعي تلسعهم، والعقارب تلذعهم، كلما استغاثوا جدد لهم العذاب، وهو عدل من الرحمن.
وقوماً عبدوه طمعاً في الجنة دار أوليائه، محل أصفيائه. لما سمعوا قوله تعالى " سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار " فصبروا على الألم، حتى استوجبوا الرضى، والعفو عما مضى، فقلوبهم تحن إلى جوار الله سبحانه، ليسكنهم في قصور من فضة، وخيام مزينة، ومجالس متخذة، والحور أزواجهم، والطير يظلهم، والملائكة تخدمهم.
فقال الحجاج يا ميمون ! وصفت الجنة ولم تصف أزواجها، فهل لك أن أُريك شيئاً يذهل عقلك!!! ويلجلج لسانك ؟ ثم نادى الحجاج يا أملس ! فخرجت جارية معتدلة القامة، في حسن تام، عليها قباء رقيق وهي تمشي وتخطر، ولها ذوائب قد جللت أكتافها. فلما نظر إليها ميمون قال:
ويحك يا حجاج ! ما تصنع بهذه الجارية ولها أجل مسمى، وأيام محصاة ؟ ثم اخرج من كمه رغيفاً يابساً فقال يا حجاج ! انظر إلى هذا الرغيف ويبوسته، إن أطعمته جائعاً ملهوفاً رجوت الله أن يزوجني جارية كأن الشمس تطلع من بين عينيها، وكأن الغنج يجري في حركاتها فأُطرب، وتكلمني فأُنعم، وأرجو أن أكون قد استوجبتها في هذا الوقت لقولي الحق، وتركي الهوى. قال الحجاج يا ميمون: امدحني فأُحسن جائزتك. قال يا حجاج ! والله ما أعرف فيك خيراً فأقوله. وإن قلت ما أعرف فيك ذممتك، ولكني ما أذم الناس لأن في نفسي ما شغلني عن عيب غيري.
قال الحجاج: قد أمرت لك بأربعة آلاف درهم. قال: أما المال فرده إلى الموضع الذي سرق منه !!! ، ولا تكن لصاً جواداً تجود به على من إن ذمك لا يضرك، وإن مدحك لا ينفعك. خلي سبيلي أسأل الله بقوت يغنيني عن نوالك ونوال أضرابك. فخلى سبيله.
نقلا من كتاب عقلاء المجانين
اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ